فتاة سعودية: هروبي من «العنف الأسري» جعلني متهمة في كل مكان
بعد أن وجدت نفسها أخيرا بلا مأوى
جدة: علي مطير
كشفت قصة هروب فتاة سعودية من منزل عائلتها في مدينة الرياض إلى دار الحماية الاجتماعية في جدة، بعد أعوام طويلة من تعرضها للعنف البدني والنفسي، عن قصور في الإجراءات المعمول بها حاليا لمساعدة «المعنفات» وحمايتهن حسب المقتضيات الدينية والإنسانية، وهو ما يعرض الفتيات الهاربات لعنف أكبر في حال العودة لأسرهم أو وقوعهم كمتهمات في نظر المجتمع بسبب قرار الهروب نفسه.
وتروي مضاوي لـ«الشرق الأوسط» وهي إحدى الفتيات التي لجأت لجمعيات حقوق الانسان ودور الحماية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، هربا من عنف أسري كانت تتعرض له على مدى سنوات «لقد كانت رحلة من الهروب إلى الهروب، لم أعد أستطيع تحمل ضرب شقيقي المستمر لي بسبب طلاقي من أحد أصدقائه· في المستشفى بعد علقة ساخنة ذقت فيها كل أصناف العذاب، اكتفى أحد رجال الأمن بنصحي باللجوء لحقوق الانسان وأعطاني هواتفهم».
وتضيف مضاوي التي بدت في مطلع العقد الثالث، وهي تسترجع تفاصيل الليلة التي غيرت مجرى حياتها «بعد سلسلة من المهاتفات بيني وبين حقوق الانسان، دعوني للمجيء إلى جدة لتوفير الحماية لي في دار الايواء في جدة حيث كنت من أولى الحالات التي دخلت الدار بعد افتتاحها بأيام».
وتتوقف لتلملم ذكرياتها المحزنة «لقد هربت من الرياض إلى جدة وسط ظروف غاية في الصعوبة وتهديدات بقتلي حتى اليوم من شقيقي· لكن حلمي تبدد بعد ثلاثة أشهر من الأمان المؤقت، حيث بدأت الدار في محاولة التخلص مني بتسليمي لأحد أشقائي والاتصال هاتفيا به لتسلمي من قبلهم، وهو ما كان يعني لي نهاية حتمية بعد أن أصبحت في نظر شقيقي عارا يجب التخلص منه بأي حال من الأحوال».
الدموع التي كانت مضاوي تنثرها في زيارتها لمكتب «الشرق الأوسط» مساء أول من أمس، برفقة إحدى السيدات الناشطات في مجال العنف الأسري، كانت سببا في توقفها عن الحديث لمرات متعددة وهي تدخل في نوبة بكاء هستيري قبل أن تعود لتروي وجودها الان في جدة خارج أسوار دار الحماية «لقد كنا نعامل في الدار كسجينات لا يحق لهن الاتصال بأحد خارج الدار أو البحث عن حل أو حتى مساعدتنا على حلول بديلة كتوفير العمل لنا لنتمكن من مواجهة واقعنا الجديد أنا واخريات مثلي».
وتضيف «أحتفظ ببعض المعلومات لاعتبارات أمنية تتعلق بسلامة حياتي· غير أني جئت هنا لأقول: الواقع الذي صدمني منذ لحظة هروبي، والعنف الذي كنت أعيشه يوميا على يد شقيقي، والاجراءات القانونية التي كانت تعاملني كمجرمة وليس كضحية، كلها ستجعلني أحيا لأدفع ثمن أخطاء غيري للأبد».
مضاوي التي عبرت عن أقصى أمانيها قالت «أتمنى أن أضع رأسي على الوسادة وأنام دون أن تداهمني الكوابيس· أكثر من عام وأنا في رعب يومي، لا أدري أين أذهب وكيف أعيش· بل لا أدري أين أكون غدا».
مضاوي لم تشأ أن تحاسب أي جهة على تقصيرها بحقها وأخريات من صديقاتها في «العنف» اللواتي جمعتهن قصص العنف تحت مظلة الحاجة للعلاج والدعم والعمل والأمل، مكتفية بالقول «لم أعد أنتظر رحمة أو شفقة من أحد.. فقط : سأنتظر أجلي المحتوم.. لن يكون المجتمع أرحم علي من شقيقي الذي أقسم بأغلظ الأيمان أن تكون نهايتي على يده».
من جهتها قالت الدكتورة سارة آبار، وهي ناشطة في مجال العنف الأسري وسبق لها العمل كمشرفة على حالات العنف في دار الحماية بجدة ان قضية العنف ليست مرتبطة بحلول فردية أو قصور في مكان ما أو آخر «القضية أنه ليس هناك استراتيجية واضحة لمعالجة العنف الأسري في البلاد· نحتاج لسن أنظمة وتشريعات واستصدار قوانين جديدة تسمح بالتدخل الفوري في حالات العنف الاسري وابعاد «المعنف» عن من يقوم بايذائه سواء بدنيا أو نفسيا أو جنسيا، ونزع الولاية في الحالات التي تتطلب ذلك فوريا.
وتضيف الدكتورة آبار «ما يحدث حتى الآن هو اجتهادات فردية لا ترقى لحجم المشكلة القائمة. لا بد أن يكون «تمكين» الضحية من العمل والاستقلال وتوفير الحماية في سلم الاولويات، وأن تراعى حقوق الضحية كاملة غير منقوصة وأن لا تمارس الوصاية عليه من أي جهة أو أن يتخذ أي إجراء بحقه دون معرفته أو موافقته».
وكانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية كشفت خلال ندوة عن العنف الأسري الشهر الماضي أن 40 في المائة من الحالات المسجلة هي قضايا «عنف أسري» من اجمالي الحالات الواردة والبالغ عددها أكثر من 6 الاف حالة مسجلة· فيما تشير تقارير أخرى إلى أن نسبة كبيرة من الفتيات الهاربات ينتهي بهن الحال إلى الانتحار.